انضم الى صفحتنا على الفيسبوك آخر مواضيع أحلى باك

تقديم : المجزوءة الأولى الوضع البشري





يَتَحَدَّدُ "العالمُ" بصفته مجموع الكائنات الموجودة والمتحققة. ويُعَدُّ "الإنسان" من بين تلكـ الكائنات الموجودة في هذا "العالم" الذي يخضع في سيره لعدد من الشروط والأسباب والظروف. ووجود الإنسان في العالم بِمُحدِّداته هاته يجعله واقعا ضمن تلكـ الشروط المُحدِّدة. وهذا ما يقود إلى الحديث عن "الوضع البشري
" (Human condition, la condition humaine). ذلكـ بأن حياة الإنسان في هذا العالم تتم بكيفيةٍ (أو حالة أو هيئة) مُعيَّنةٍ بفعل الشروط المُحدِّدة لوجوده فيه. ومن هنا فإن تناول "الوضع البشري" يعني تناول مجموع الشروط التي تُحدِّد الوجود البشري في هذا العالم، وهي شروط تتخذ أشكالًا متعددة (بيولوجية-طبيعية، ﭐجتماعية، ﭐقتصادية، سياسية، ثقافية، تاريخية). فالْإنسان، بما هو جسدٌ أو عضوية حية، له عدد من الحاجات الطبيعية الأساسية التي لَا يمكن ﭐستمراره في الوجود إلَّا بتلبيتها وإشباعها. ونجد أن كون الإنسان مُحدَّدًا بشروط ضرورية على هذا النحو هو الذي يقوده إلى إقامة علَاقات مع نفسه ومع العالم من حوله، ويجعله من ثم يكتشف أهم الأبعاد التي تُكوِّن وجوده بصفته وجودا خاصا ومتميزا. فالْإنسان كائن يُدرِكـ أنه موجود في عالم ويدركـ، في الآن نفسه، أنه موجود إلى جانب كائنات أخرى وأنه نتاجُ مَسَارٍ طويل ومعقد يرتبط به، على هذا النحو أو ذاكـ، كونه ذاتا فاعلة ضمن شروط هذا العالم. وهكذا فإن "الوضع البشري" يتحدد باعتباره مجموع الشروط الذاتية والموضوعية التي تَحْكُم وجود الإنسان في هذا العالم بكل مستوياته. والنظر في "الوضع البشري" على هذا النحو يكشف عن كونه يتسم بالتعقد والصعوبة. وضمن هذا الوضع تتحدد إمكانات الفعل الإنساني بما هو فعل خاضع لمجموع الشروط المُحَدِّدَة لوجود الإنسان في ذاته بما هو وجودٌ متميزٌ (الإنسان كـ"شخص") وبما هو وجودٌ مشتركـ ومتداخل مع غيره (الإنسان كـ"غير") وبما هو وجودٌ مُتَحَوِّل ومتقلب عبر الظروف الزمانية والمكانية (الإنسان كـ"تاريخ").